صدر حديثًا عن دار الوطن للنشر والتوزيع، كتاب “رداء الضوء” للكاتب المغربي يوسف بن الطيب، الكتاب عبارة عن مجموعة من القصص القصيرة جدًا التي تتناول الواقع والذات بأسلوب إبداعي متميز. يحمل الإصدار رؤية سردية تعكس تعقيدات الحياة اليومية، وتتأرجح بين التجريب الأدبي والواقعية، حيث يبرز الكاتب جوانب متعددة من التجربة الإنسانية في ظل تحولات المجتمع والثقافة.
يضم الغلاف الخلفي للكتاب تقديمًا للأكاديمي الدكتور فريد امعضشو، الذي أشار إلى أن هذه النصوص تُحاكي القصة القصيرة جدًا من زاوية جديدة، محملة برمزية كثيفة وإيقاع سردي خاص. كما أشار إلى قدرة الكاتب على المزج بين العمق الفلسفي والأبعاد الجمالية، مما يجعل هذا العمل إضافة نوعية في مجال السرد القصير.
ثراء ومعرفة وتناص: هكذا قدَّم فريد امعضشو
يشير التقديم الذي خطَّه الدكتور فريد امعضشو أن أقاصيص المجموعة تميزت بثراء معرفي بفضل تلك النصوص الغائية التي اكتنفتها، والتناصات التي استند إليها الكاتب في إقامة صروحها ذلك بأنه استحضر في عدد من قصصه (قصة “نيتشه صديقي….. مثلا)، على نحو غير ظاهر في الغالب نصوصا دينية وشعرية، ركز على لحظات أو معان لافتة فيها؛ فوظفها في سياقات نصية مناسبة، وعثر بها عن مواضيع وأحاسيس محددة.
أقر التقديم أن الكاتب عمد إلى التناص مع بعض المتون التراثية الشعبية والأغاني الحديثة، ولا شك في أن وضع الإصبع على هذه التناصات ليس بالأمر السهل دائما، بل إنه قد يتطلب قارنا ذا مواصفات خاصة، وذلك حين تكون التناصات خفية لا يُصرّح فيها لفظيا بالمتناص معه وحين يكون هذا الأخير من الماضي البعيد أو من التراث الأدبي أو الفكري العالمي فها هنا، يحتاج إلى قارئ فطن يقط موسوعي التكوين يجمع إلى تراثه القومي الاطلاع على جغرافيات ثقافية أخرى.
إن مجموعة رداء الضوء وقصص أخرى، بملامحها المذكورة، يقول عنها مقدمها إنها عمل إبداعي ناضج وماتع إنتاجا وتلقيا، يحمل رسائل كثيرة، وترتبط به ابعاد عديدة، يتواشج فيها الذاتي والواقعي والخيالي وقد حشد المبدع ما أمكنه من الوسائل البلاغية والآليات الفنية لكي يتحفنا بأضمومة بديعة، يعتني بها – دون شك – المشهد الإبداعي المغربي في هذا الفن السردي الوجيز، الذي حقق فيه المغاربة، منذ بدايات الألفية على وجه الخصوص، منجزا مهما على مستويي الكم والكيف معا، يكرس المغرب بوصفه بلدا راندا – عربيا – في هذا اللون التعبيري الجديد.
التقديم حسب كاتبه مجرد انطباعات قارئ عاشق، آثارته نصوصها وامتعته فكتب من حولها هذه الأسطر، التي لا تغني عن قراءة المجموعة لمن أراد تحصيل مزيد من المتعة، ومن الفائدة كذلك. كما أن العمل يعلن عن ميلاد مبدع جديد بصفة رسمية” في ميدان “الفتح” بالمغرب، استجمع شروط الانخراط في سلك كتاب هذا الأدب واستوعب مقوماته الفنية والجمالية فاقتحمه بثبات، لتكون النتيجة هذه الباكورة القصصية الجميلة حقا.
الغلاف: إبحار في الألوان والانزياحات البصرية
يحمل غلاف الكتاب لمسة فنية متميزة، تعكس أجواء العمل الأدبي بتدرجات لونية تتداخل بين الضوء والظل، في تجسيد بصري ينسجم مع العنوان “رداء الضوء”. الذي يحمل دلالات تجمع بين مكونين متناقضين ظاهريًا: “الرداء” الذي يرمز إلى الحماية أو التمويه، و”الضوء” الذي يرمز إلى المعرفة والانكشاف.
هذا التركيب الاستعاري يفتح المجال لتأويلات متعددة، إذ يمكن أن يكون الضوء هنا كناية عن الحقيقة التي يحاول الكاتب أن يكسوها بأسلوبه الإبداعي، أو عن وهم الحماية التي يمنحها النور، لكنه في الوقت نفسه قد يفضح المستور. كما يعكس العنوان جدلية الظهور والاختفاء، الزيف والحقيقة، الحماية والانكشاف، مما يجعله مدخلًا مثيرًا لاستكشاف مضامين النصوص، خاصة أن القصة القصيرة جدًا تعتمد على التكثيف الدلالي والتأويل المفتوح، وهو ما يجعل العنوان عنصرًا دالًا على جوهر العمل الإبداعي نفسه.
لوحة الغلاف تحمل للفنان التشكليلي إبراهيم حمامي والمعنونة بـ: تجهد، وصال، تيه (تحمل) عمقًا سيميائيًا بصريًا يعكس مضمون النصوص، حيث تمتزج تدرجات الألوان الداكنة مع الألوان الفاتحة، مما يخلق حالة من التوتر والتوازن والانزياح البصري. اللون الأزرق الداكن يرمز إلى الغموض والعمق النفسي، بينما يضفي اللون الفاتح شعورًا بالانفراج والأمل، وكأن الضوء يحاول اختراق العتمة. تتقاطع الخطوط بانسيابية وتعرج، مما يعكس الصراع الداخلي والتجاذب بين النور والظل، بين الوضوح والغموض.
هذا التلاقي البصري بين الألوان يعكس أيضًا ازدواجية العنوان، حيث يصبح الرداء فضاءً يجمع بين الحماية والانكشاف، بين الغموض والكشف، مما يجعل اللوحة امتدادًا بصريًا لرؤية الكاتب وفلسفته في السرد.
يوسف بن الطيب من الأسماء المتميزة في المشهد الثقافي المغربي، حيث جمع بين الإبداع السردي والنقد الفني والمسرحي، بالإضافة إلى مهاراته في الخط العربي التي تضفي على أعماله بُعدًا جماليًا خاصًا. وتتميز كتاباته بعمقها الفلسفي ولغتها المكثفة، ما يجعله قادرًا على إيصال أفكاره ورؤاه بأسلوب يجمع بين الإيحاء والشاعرية والدقة التعبيرية، ليؤكد حضوره ككاتب متعدد المواهب يجمع بين الأدب والفن والنقد المسرحي.
يذكر أن يوسف بن الطيب هو كاتب مغربي، يعمل إطارًا تربويًا بوزارة التربية الوطنية، وحاصل على شهادة الدكتوراه في تخصص أدب حديث وفنون، إضافة إلى كونه خطاطًا وناقدًا مسرحيًا.