في تلك اللحظة التي اهتزت فيها الأرض تحت الأقدام، لم يكن الزلزال مجرد حدث عابر، بل قصة أكبر من حدود الجغرافيا وأقوى من الهزات. كان صوتًا يخترق الصمت، يروي حكايات عن الأرض والبشر، عن الألم والصمود، وعن الصحافة التي سعت لالتقاط كل تفصيل وتوثيق كل نبض.
وسط كل هذا ولدت فكرة كتاب “على مقياس ريشتر: ما لم يُروَ في تغطية الصحافة لزلزال الحوز”، كتاب جماعي كتبناه بأصابع مثقلة بالتعب، ولكن مفعمة بالإيمان بأهمية الحكي وسرد تجربة قل ما يتحدث عنها الصحفيون. كتاب قدمته بحب وشغف كبير، ونسقته بمعية الصديق نور الدين البيار بشغف أكبر
الكتاب ليس مجرد صفحات تنقل الأحداث، بل هو مرآة تعكس التجربة الإنسانية والصحفية كما لم تُروَ من قبل. بدأنا بفكرة، بخطوط صغيرة على هامش المأساة، ثم تحولت إلى مقالات اجتهدنا في جمعها، إلى نقاشات طويلة حول السائد والممكن، إلى حلم أردناه أن يكون شهادة حية ودرسًا ملهمًا، إلى أن صار بين أيدينا كتابًا نابضًا بالحياة، متجذرًا في المعرفة والتأمل.
“على مقياس ريشتر” ليس مجرد عنوان؛ إنه استدعاء لكل ما يحدث بين الهزة الأولى وما بعدها. إنه يقيس أكثر من درجة الزلزال، يقيس نبض الصحافة في لحظة الاختبار، يقيس مدى قدرتها على المزج بين السردية الإنسانية والأخلاقيات المهنية، بين المعرفة العميقة والواقع الصعب.
في هذا العمل، جمعنا بين السوسيولوجيا التي تحفر في بنية المجتمع، والأنثروبولوجيا التي تُسائل العلاقة بين الإنسان والمكان، لتكون الصحافة هنا ليست مجرد مهنة، بل رؤية تُعيد قراءة الحاضر والمستقبل. نسعى من خلاله إلى وضع نموذج جديد؛ يوازن بين الأخلاقيات والاحترافية، بين الحكي الصادق والنقل العادل، وبين الإنساني الذي يسكننا جميعًا والمهنية التي لا غنى عنها.
إنه كتاب عن الزلزال، لكنه أيضًا كتاب عن الصحفيين الذين وقفوا في الميدان، عن لحظات التحدي، وعن القصص التي تختبئ في التفاصيل. كتابٌ نتباهى به، ليس لأنه تجربة سهلة، بل لأنه خرج من رحم الصعوبات كإرثٍ سردي وعلمي وإنساني.
كتاب خطته أقلام جميلة؛ صلاح وإيمان وأنس وسعيد وأسامة ونور الدين وابراهيم ومحمد وأنا.