بابتسامته المعهودة وبساطته وطيبوبته، يبدأ الإدريسي مولاي إبراهيم يومه باحثا عن البركة وبحثا عن دراهم معدودة يعود بها إلى بيته في المساء، في محل صغير بالمدينة القديمة بالعاصمة المغربية الرباط عند مدخل باب يُعرف ب باب البيبة وهو مدخل يؤدي الى المدينة العتيقة بالعاصمة الرباط.
عند مدخل الزقاق يستقبلك مولاي إبراهيم او كما يجب أن ينادى لالة فاطمة، يعرفه الكبير والصغير الغني والفقير، المؤمن والعربيد، هكذا عرف نفسه، يحبه الجميع ويحبون نقانقه المعدة ببساطة والمشوية على نار هادئة مع القليل من الصلصلة التي يضيف عليها بهارات مغربية والتي يقول إنها صلصة منفردة.
يحكي لالة فاطمة أنه قضى حوالي 35 وثلاثين سنة في إعداد النقانق في محله الصغير بمدخل المدينة العتيقة حيث يعرفه الجميع. يزوره أناس من مختلف الأطياف، قد من منطق نواحي مدينة مراكش الى العاصمة الرباط واستقر بها بحثا عن فرصة خرى للعيش أو لمحاولة العيش كما قال الأديب المغربي محمد زفزاف، عند لالة فاطمة الحياة جميلة ولكل عند الله رزقه بحيث يقول مبتسما وبلهجة مغربية “رزقي ضامنو سيدي ربي”، “رزقي جاي معند الله وخا يكون لي كان”.
عن مصاعب الحياة وعن العمل الشاق أمام مشواة وحرارتها المفرطة وطلبات الزبائن لا يستسلم مولاي إبراهيم والمعروف في الرباط العاصمة باسم لالة فاطمة لضغوطات الحياة، يفتح محله مبتسما ضاحكا في وجه الزبائن يقول أن الكل يأخذ رزقه مما جادت به يداه بدراهم أو بغيرها بالمجان أو بالمقابل.
أمام محله الصغير، ثارة تجده ينادي لالة فاطمة وثارة يقول أنه يحب امرأة ويضع شدا لها فوق رأسها، ويقول مبتسما “أنا حاكمة فيا لالة فاطمة وأحبها”. وعن لالة فاطمة يقول أن هذا الاسم الذي سب شهرته يعود لفاطمة التي سيتجوزها ليقيم عرسا وفرحا كبيرا ولهذا سمى نفسه بلقب لالة فاطمة.
يبدو من بعيد ومن قريب سعيدا بهذا الإسم وهو ما يعطيه الحب والحنان يقول مازحا “أنا العصى جات معايا والراجل لي كلا العصى مرضي الوالدين” ومعنى ذلك أن من ضربته زوجته فقد نال رضى الوالدين، بحس فكاهي يستقبل لالة فاطمة كل من وقف عند محله الصغير هكذا يقضي يومه الى أن يسدل الستار ويتجه نحو بيته حامدا شاكرا برزق جاءه من عند الله على حد قوله.
يقول لالة فاطمة عن تفاصيل حياته إنها بسيطة جدا رجل بسيط يعمل في محله منذ حوالي سنة 1984، ولا زال بنفس الصورة التي قدم بها زلا زلت تلك اللهجة البدوية والمراكشية المتميزة والتي ينفرد بها أهل مراكش المعروفون بحلاوة اللسان والحديث الجميل والوجه البشوش حتى في أحلك الظروف.
يقول لالة فاطمة أن اللسان هو الكنز وهو رأس ماله فمن يأتي عنده لا يأتي فقط ليأكل النقانق بل من أجل حلاوة لسان لالة فاطمة وخفة دمه وسماع أحاديثه عن المرأة التي يحلم بها ويغيرها من القفشات والأحاديث البسيطة التي تجول في المكان لتملأ البهجة والسرور وهو ما يجعل الضيف عند لالة فاطمة يشبع بطنه بدراهم معدودة وفضلا عن ذلك وسط جو مضحك يذهب الغم والحزن ويوزع البسمة ولو لدقائق معدودة.
يقول لالة فاطمة أنه يترك كل شيء لله وعلى الله فالحياة عنده ليست معقدة، في الزقاق الذي يتواجد به العشرات من أصحاب المأكولات السريعة والشعبية وأصحاب النقانق وغيرها، إلا أنه يقول إن الرزق مقسم من عند الله ولا يحزنه كثرة الباعة أو يشكل له تخوفا فهو يبدأ يومه على بركة الله وينهيه على بركة الله هكذا يقول لالة فاطمة بلهجته المغربية “الله يسهل على كل واحد هنا الرزاق الله ربي لي كيعطي وربي لي كيحيد” في إشارة إلى أن الله هو المعطي وهو المانح.
لم يلحظ لالة فاطمة أي تغيير على الحياة فقد بقي وفيا لحركاته ول زوجته الذي يحلم بالزواج بها لالة فاطمة وهي أصل تسميته فهو يقول إنه شهد الزقاق وقضى فيه مدة طويلة مع الباعة ومع من يرتادون محله بانتظام والذين يقول ـنهم من كل أطياف المجتمع فحتى السكارى يجدون ظالتهم عنده فهو لا يفرق بين الناس يعطي بالمجان وبالمقابل وكل من يحل ضيفا عنده فهو يكمه الى حين عودته.
قد تتغير أحوال الناس وعداتهم وطبائعهم لكن لالة فاطمة لا يتغير هكذا وصف نفسه فهو يعد الصلصة بالبهارات ويعد النقانق ويبيعها وسيبقى على هذا الحال حتى وإن تغيرت ثقة الناس في مأكولات الشارع وانعدمت الثقة فهو يقول إن الله من رزقه القبول وصفاءه في عمله يشهد له، يقول إنه لم تحجز له السلطات يوما سلعته بل أن المراقبة دائمة ولم يشتكي منه أي زبون قط وهذا يجعله مفتخرا بعمله البسيط.
عن أزمة صلابة الواقع والغلاء والقهر فيقول أنه لا يعير أي اهتمام فهو يعتقد أنه أوكل أمره لله فكل ما يطلبه هو زوال المحن والوباء أما الرزق وكثرة الزبائن فهو من عند الله ولا دخل للبشر في ذلك فكل شيء من عند لله، هكذا يتكلم لالة فاطمة فلم تغير أزمة كوورنا منه شيء بالرغم من تـأثره من الاغلاق والحجر الصحي إلا أنه يقول إنها مرت كسائر المسلمين الذين يحمدون الله في كل الأوقات في الشدة والرخاء.
لالة فاطمة لا ينال منه التعب ولا تنال منه نار الفحم ولا حرارة الجو هكذا حدثنا أحد الزبائن الذي يقول إنه ابن المدينة العتيقة بالرباط والبالغ من العمر 25 سنة، والذي يؤكد أن يذكر لالة فاطمة منذ صغره وكما عهده فلا زال ليمضي الزبون الى حال سبيله ويبقى لالة فاطمة في مكانه وسط الجو الذي خلقه لنفسه مع زبائنه ومع من يعبرون بجانبه من المارة وأبناء الحي.