في إحدى الأحياء القديمة وسط مدينة وجدة الحدودية، شرق المملكة المغربية، توجد ورشة الفنان رشيد زايد (60 سنة). في هذا المكان يقضي منذ سنوات، معظم وقته في تطويع متلاشيات الحديد متسلحا في ذلك، بما يجود به خياله الإبداعي ليتفنن في صنع لوحات ومنحوتات فنية من خامات المعادن.
اختار رشيد التفرغ بشكل كامل لهوايته المفضلة منذ الصغر، بعد مسيرة عمل امتدت لـ 34 سنة في القطاع المعدني. وإلى جانب هوايته في النحت، فهو عازف ناي بارع وأستاذ لمادة التربية الموسيقية في أحد المعاهد الخاصة.
ويحكي رشيد في مقابلتنا معه “قضيت طفولة عادية كأي طفل مغربي خلال فترة الستينات والسبعينات”، وهي الفترة التي كان فيها المغرب يحظى بإشعاع عالمي بفضل توافد النجوم العالميين إليه، أمثال جيمي هاندركس، ورولينج ستونز وغيرهم. كان رشيد طفلا نشيطا، ممارسا لكرة القدم ومحبا للموسيقى، ويقول:”نحن جيل الستينات والسبعينات كنا بمجرد الإنتهاء من الدراسة، وخلال أولى أيام العطلة كان كل واحد منا يتجه للعمل في حرفة ما أو تعلم صنعة”.
في هذا الصدد يقول رشيد وابتسامة طفولية تسبق كلماته: “أحب الأعمال اليدوية منذ الصغر.. كنت أقضي وقتا ممتعا في العمل على الأشياء المصنوعة باليد”.
وبفضل براعة أنامله الصغيرة تمكن رشيد وهو ما يزال طفلا من تعلم النجارة، قبل أن يقرر تغيير التخصص إلى الحدادة بسبب عدم وجود مادة النجارة في مستوى الباكلوريا في جانبها التقني، ويقول :”وجدت تشابها كبيرا بين النجارة والحدادة”.
ويرى أن هناك إرتباطا وثيقا بين الإنسان والمعادن، فكان الإنسان القديم يستعمل المعادن في الصيد ثم استعملها في طهي ما يأكله.
والثورة الصناعية جعلت من المعادن مادة أساسية في مختلف الصناعات، ولعل أبرزها صناعة السيارات.
ويقول: ” مثلا في مناسبات الزواج، نرتدي الخواتم المعدنية، وتظل في أيدينا إلى الأبد، وفي اعتقادي هذا الأمر يجسد مدى ارتباط الإنسان بالمعادن”.
وجوابا على سؤال “أين يجد متلاشيات الحديد التي يستخدمها في النحت؟” يقول رشيد أنه يشتري جلها من الباعة بالجملة ويبلغ ثمنها ما بين 4 إلى 5 دراهم للكيلوغرام الواحد”. يقوم بعزل المناسب منها ثم ينقلها إلى ورشته، وفي بعض الأحيان يقول أنه يجد بعضا منها مرمية في الأزقة والشوارع”.
ولم يخف رشيد تذمره من رمي الناس للقطع الحديدية غير الصالحة للاستعمال في الشوارع والنفايات، فهو يعتبرها كنزا ثمينا يمكن استخدامه في التدوير وصناعة المنحوتات.
ويرى الفنان أن هذا النوع من الفن له جاذبية كبيرة، وبحسبه فإن أشكال هذه المنحوتات تجذب أعين الناس على اعتبار أن العديد من القطع الحديدية التي توجد في بيوتهم كالأواني مثلا، يرونها متشكلة في منحوتة فنية بشكل يسر الناظرين.

وبالرغم من هذه التحديات، يعتبر رشيد أن إبداعاته الفنية تتعدى أبعادها الجمالية، إلى محاولة لإيصال رسائل هادفة والتطرق لقضايا المجتمع، وذلك ما جسده من خلال منحوتة عبر فيها عن تضامنه مع ما يعيشه الأساتذة المتعاقدين بالمغرب. وتبين المنحوتة قلما يمسك بعكازين وهو عاجز عن الحركة بسبب المشاكل التي يتخبط فيها قطاع التعليم.
ومن جهة أخرى، يقول أن إعجاب الناس بهذه المنحوتات لا يتعدى تلك اللحظة التي يقفون فيها أمام المنحوتة و ينوهون بالعمل الذي أقوم به، مؤكدا أن الأقلية منهم، يتذوق فعلا هذا النوع من الفن، ويقف العامل المادي حائلا دون اقتناء هذه المصوغات، ويفسر ذلك بأن المنطقة بعيدة عن الجو الثقافي والفني.
كما أبدع النحات المغربي منحوتات تعبر عن تذمره من الإغلاق الشامل خلال فترة الحجر الصحي، والذي طال أيضا المجال الثقافي والفني، حيث يرى أن الغاية الأساسية من الفن هي مواكبة الأحداث التي تقع في مجتمعه ومحاولة لإيصال رسالة فنية بتعبير حر ومنفرد يحترم المعايير الجمالية.
وعن سبب تركيزه على صنع منحوتات للحيوانات، يقول :”من خلال هذه المنحوتات أنا أعبد الله”، ويؤكد بأن خلال عمله على نحت حصان أو طائر، يتعمق أكثر في إبداع الخالق، فيزداد إيمانه قوة، موضحا:” هناك من يعتقد أن هذه أصنام ويخاف منها ومن النظر إليها، لكن أنا أرى الجمال في الحصان والطيور فأحولها إلى منحوتات اكتشف من خلالها عظمة الخلق والخالق”.
يعتقد رشيد أن دور الفنان التشكيلي أو النحات لا يقل أهمية عن دور الكاتب والمثقف داخل المجتمع، فالفنان كذلك له زاوية معينة يعبر من خلالها عن رؤيته وتصوره للمجتمع في قالب فني يتسم بالعمق والإبداع.
وعن مستقبل هذا النوع من الفن، قال أنه غير متفائل كثيرا، مفسرا ذلك بأن الفن في المغرب الكبير والبلدان العربية عامة، لا يزال في خانة الكماليات، وذلك بسبب عوامل عدة، ومن بينها محدودية موارد الدخل، فالواجب على المواطن البسيط بحسبه هو أن يضمن قوت يومه أولا، قبل التفكير في اقتناء منحوتة أو لوحة فنية.
ويؤكد رشيد زايد من خلال نظرته المستقبلية لهذا الفن، ما قاله المثقف المغربي وعالم المستقبليات المهدي المنجرة، في إحدى حوارته الصحفية وجاء فيها: “إذا كان عندك 60% من الشعب أمي وإذا كان 50% يعاني من فقر دم. صعب أن تطلب منه أن يتذوق لوحة لابن يسف أو بلكاهية أو الشرقاوي .لأن هنالك أولويات”.
وفي ختام مقابلته معنا، يقول زايد أن إعجاب الغير بعمله، هو ما يمنحه الإلهام والحماس للاستمرار فيما يفعله.
ويؤكد أن هذا النوع من الفن له ارتباط وإحساس بالأشياء ويختم بالقول:” الحديد معدن صلب، لكن من خلال هذه المنحوتات فإني أبعث فيه الإحساس ليصير لينا، وهذا ما نحن بحاجة إليه كبشر”.




