لعلّ من أبرز الاستثمارات والمشاريع الكبرى التي انخرطت فيها بلادنا خلال السنوات الماضية هو ربط مدينتي الرباط وسلا بشبكة الترامواي. هذا المشروع كان له أثر إيجابي كبير على قطاع النقل العمومي، إذ سهّل تنقل آلاف المواطنين يوميًا بين المدينتين.
بات التنقل المستمر على متن الترام جزءًا من الروتين اليومي، حتى غدت عرباته مألوفة وكأنها جزء لا يتجزأ من تفاصيل يومنا.
وعلى الرغم من الفوائد العملية لهذا النمط من التنقل، إلا أن الرحلة اليومية تحمل في طياتها مشقة نفسية بالغة تفوق التعب الجسدي المثقلين به.
في كل رحلة، تطبع مخيلتنا بعشرات القصص والمواقف التي تجسد واقعنا الأخلاقي، والسلوك المجتمعي الذي ما فتئ يفتقد لأسمى معاني التضامن الوجداني. في مشهد صادم، وبينما العربة مكتظة بالركاب، كانت المسافات معدومة حيث تكاد تسمع أنفاسهم المتقاربة، كأنهم جميعا متجهون إلى الوجهة ذاتها من شدة التصاقهم، وبالكاد توجد مساحة للوقوف.
توقف الترام في إحدى المحطات، ليحمل معه امرأة شابة تبدو في العشرينات من عمرها، تمسك بيدها طفلًا لا يتجاوز عمره ست سنوات، وبطنها المنتفخ يوحي بأنها في شهرها السادس أو السابع من الحمل، كانت تتجول ينظرها بين المقاعد علها تعثر عن ملاذ يرحب بها وسط الزحام حيث يمكنها الاستقرار وكأنها تتوق للحظة من الهدوء والراحة، لكنها لم تحظ بها، فظلت واقفة وسط العربة المزدحمة والتعب يغمر جسدها المتعب.
أكثر ما يحز في النفس هو أن عددًا من المراهقين كانوا منعمين على مقاعدهم، يتابعون المشهد بلا مبالاة، وكأن الأمر لا يعنيهم. لم يحرك أحد منهم ساكنا ليمنح تلك المرأة الحامل مقعده، في مشهد يفتقر إلى أبسط قيم الإنسانية والأخلاق.
نظرت السيدة الحامل إلى الأرض بخجل، وهي تحاول جاهدة أن تخفي معاناتها. كان قلبها ينبض بسرعة من التعب والحسرة. التفتت إلى ابنها الصغير الذي كان يحدق بها بعينين بريئتين، فابتسمت له محاولة طمأنته. في تلك اللحظة، يشعر من يحمل في قلبه ذرة من إنسانية بغصة على حال المرأة المنهكة تعبا وألما وعلى حال وطننا المتعب بمثل هؤلاء عديمي الوعي والإنسانية.
في غضون ذلك، كان المراهقون منغمسين في هواتفهم المحمولة، وكأنهم يعيشون في عالم آخر، عالم يسوده الأنانية وانعدام المسؤولية.
لكن سرعان ما تدخل رجل كان يراقب المشهد منذ بدايته ليذيب ذلك الجمود، وصدح بحزم : “أليس من واجبكم أن تتنازلوا عن مقاعدكم لهذه السيدة الحامل؟ أين ذهب إحساسكم بالمسؤولية؟”
هذه الحادثة، تجعلنا نتساءل عما إذا كانت مشاعرنا تجاه الآخر قد أصابها التبلد وبدأت تتلاشى وسط متاهات الحياة اليومية؟ وهل فقدنا القدرة على تقديم أبسط صور المساعدة للآخرين؟ وهل هذا الجيل من يبني مغرب الغد
جميل